أهمية العلم الشرعي
الدعوة إلى الله وظيفة مصطفاة فـي الأساس لأشرف الخلق، وهم الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، الذين تولى الله (سبحانه وتعالى) حفـظهم وتنشئتهم.. وحريّ بمن يقتدي بهم في الوظيفة أن يسعى إلى اقتفاء آثارهم، وتحري طريقتهم في التكوين والنشأة.
والركيزة الأولى في تكوين الداعية إلى الله (تعالى) هي العلم، فهو الذي أمر الله به نبيه في أول آية أنزلت عليه، والأمر له ولسائر أمته معه، وعـلـى ضوء العلم يتم العمل والدعوة.
وكما حرس الله بيضة الإسلام بالمجاهدين: حفظ شريـعة الإيمـان بالـعـلماء والمتعلمين، والجـهـاد لا يتم على وجهه الحق إلا بالعلم المفصل بالقرآن الكريم، والسنة الـنـبـوية المشرفة، إذن: فالعلم ضرورة شرعية (1)؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن حاجـتـنا إليه لا تقل عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب والملبس والدواء؛ إذ به قوام الدين والدنيا.
ولقد كان مــن أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر: الجهل، وقلة العلماء العاملين، وسوء الخـطــط في مراحل الدراسة المختلفة في البلاد الإسلامية، وضعف الهمم والعزائم في الجد والتحصيل، والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية، والانهزام النفسي أمام بعض العلوم المادية، والنظر إلى التخصصات الشرعية نظرة دونية.
أقسام العلم الشرعي ـ من حيث الحكم ـ ثلاثة:
1- فرض عين: وهو تعلم ما يتأدى به الواجب العيني.
2- فرض كفاية: وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في أمور دينهم ودنياهم.
3- مستحب: وهو التبحر في أصول الأدلة، والإمعان فيما وراء القدر الذي يحصل به فرض الكفاية.
فضائل العلم وأهله (2):
إن تذكرها يبعث الهمــم، ويجدد العزائم، ويطرد الكسل، ويعين على الجد، وقد جاءت بها نصوص كثيرة جدّاً.
فمن فضائل العلم: أنه أول ما خاطب الله به نبيه، فقال: ((اقرأ))، وما أمره بطلب الزيادة من شيء إلا منه ((وَقُــل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً))[طه: 114]، ولا غرو: فإنه يورث الإيمان، بل لا يكون الإيمان إلا بــه، وثمرته اليقين، وهو من علامات الإيمان ودلائل إرادة الله الخير بصاحبه، وهو أجل النعم، فإنه حياة القلب ونوره، والجهل من صفات أهل النار، والعلم ميراث الأنبياء، وهو خير من النوافل، فإنه من أعظم الجهاد، وأجلّ العبادات؛ قال : (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله...)(3).
وهو الحماية من الغفلة، وسبيل النجاة، وطريق الجنة، وهو شرف لصاحبه، ورفعة في الدارين، وهو سبيل الكمال، وطريق البركة، ودوام الأجر، وسبيل السعادة، وهو كشاف للحقائق، وإمام العمل، وطريق الهداية، ودواء الأمراض القلبية، وبه ينال صاحبه بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستثنى من اللعنة، وتضع له الملائكة أجنحتها، ويُباهي به الله ملائكته.
ومن فضائل أهله: أن الله استشهدهم على توحيده، فزكاهم وعدّلهم، ونفى التسوية بينهم وبـين غـيرهم، فإن الجاهل بمنزلة الأعمى، وأولو العلم هم أهل الذكر، الذين يظهر لهم الحق، وهو آيات بينات في صدورهم، فاستحقوا رفعة الدرجات في الدارين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ))[المجادلة: 11]؛ فهم أهل الخشية، والمنتفعون بضرب الله الأمثال، وعدول الأمة.
أما آثاره على الأمم فهي متمثلة في: الإيمان بالله (تعالى)، ومعرفته حق المعرفة، واجتناب المنكرات، والقيام بحقوق كل ذي حق، والسعادة النفسية، وتحكيم شريعة الله.