عقيده الاثني عشريه في المهديّ - الموضوع السادس
استكمالا لموضوع المهدي المنتظر عند الشيعه
الآية الخامسة والثلاثون:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص/5).
هذه الآية تتحدث عن فرعون وبني إسرائيل بدليل الآية التي جاءت قبلها التي تقول:
﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ (القصص/3).
ونلاحظ أن كلمة «استُضعِفوا» فعل ماض يتعلّق بأمر حدث في الماضي كما أن كلمة «نُرِيدُ» مثلها مثل كلمات «نُمَكِّن» و«نُرِي فِرْعَوْنَ»... التي جاءت في الآية التالية للآية مورد البحث كلها تتحدث عن قوم فرعون، وكلمة «الأرض» جاءت معرّفة بِ- (ال-) العهد في إشارة إلى الأرض المذكورة والمعروفة وليس المقصود منها مطلق الأرض،
وذلك مثل قوله تعالى لرسوله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ (الإسراء/76)حيث من الواضح أنه ليس المقصود من الأرض فيها الكرة الأرضية وإلا لأصبح معنى الآية أن المشركين كادوا أن يخرجوا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم من كوكب الأرض! كما أنه ليس المقصود من «الأئمة» في قوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾القادة السياسيين لأن الخطاب هو لجميع بني إسرائيل فالأئمة هنا مثل الأئمة في قوله تعالى
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان/74).
كما أن المهاجرين والأنصار كلهم أئمة حيث أمر من جاء بعدهم أن يتَّبعوهم بإحسان فقال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ (التوبة/100).
بناء على هذه الأدلة الواضحة فإن الآية 5 المذكورة من سورة القصص تتعلق بقصة موسى وفرعون وبني إسرائيل. وقد بيّن الله تعالى مقصوده من «وَنُرِيْدُ» بأمور مثل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى...﴾ (القصص/7)، ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ (القصص/7) إلى آخر الآيات.
وهذا الأمر يفهمه كل من يقرأ هذه الآيات. لكن رغم ذلك نجد الشيخ الطوسي والمجلسيّ يريدان بقوة الروايات المضادة للقرآن أن يغيّروا معنى الآية التي تتحدث عن أمر ماض ليجعلوها تتحدث عن المهدي المنتظر؟!!
الآية السادسة والثلاثون:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (الحديد/16).
رغم عدم علاقة الآية الكريمة من قريب أو من بعيد بالمهدي المنتظر، يأتينا الشيخ الصدوق والمجلسي ويلوون عنق الآية بالقوة ويقولون: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقَائِمِ!». من هذا يظهر أن الحق كان مع المرحوم ابن تيميَّة عندما قال: لَا يُوجَدُ فِي فِرَقِ الْأُمَّةِ مِنَ الكَذِبِ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي الشِّيعَة.
الآية السابعة والثلاثون: هي الآية الثانية والثلاثون
(الآية 17 من سورة الحديد) ذاتها التي أوردنا رواية الصدوق بشأنها وأجبنا عنها.
الآية الثامنة والثلاثون:
﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُ-هَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران/140). أي أن الله تعالى يريد من خلال المواجهات التي تحصل بين الحق والباطل أن يميّز المؤمنين الحقيقيين من مدّعي الإيمان. ولكن الشيخ الصدوق يروي رواية تقول «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقَائِمِ»!، مع أنه من الواضح أن الآية، بقرينة الآيات السابقة واللاحقة، خاصة بمجروحي أحد.
الآية التاسعة والثلاثون:
﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾ (المائدة/3). المراد تقوية المؤمنين وطمأنتهم بأن أعداءهم لن يستطيعوا القضاء على دينهم.
لكن العياشي((العياشي: هو الشيخ أبو النضر محمد بن مسعود بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي من أعيان علماء الشيعة وأساطين الحديث والتفسير بالرواية. من مشايخ الكشي ومن المعاصرين للكليني.
عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري. قال ابن النديم عنه (إنه أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم). ورغم أن علماء الرِّجال الشيعة وثّقوه
، إلا أن المرحوم الشيخ «محمد» ابن «الشهيد الثاني» طعن في توثيقه، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى حتى لو كان ثقة في ذاته إلا أن معظم رواته غير موثقين،
فالنجاشيُّ يقول عنه: (كان يروي عن الضعفاء كثيراً) (رجال النجاشي، ص247) وبمثله قال العلامة الحلي (خلاصة الأقوال: ص246)،
وعليه فلما كانت أغلب روايات «العيَّاشِيّ» عن الضعفاء فلا ثقة بها ولا يُعْتَمَدُ عليها. )الذي كان رجلاً خرافيَّا- يروي في تفسير الآية روايةً في سندها «عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ»، وهو رجلٌ ضعَّفَهُ علماء الرجال، ومضمون الرواية أن المقصود من كلمة «اليوم» في بداية الآية هو: «يَوْمَ يَقُومُ الْقَائِمُ (ع) يَئِسَ بَنُو أُمَيَّةَ فَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع)!»، أفلم يوجد من يقول لهؤلاء الرواة الجهلة [إذا قام القائم] يكون بنو أمية قد انقرضوا منذ آلاف السنين فكيف ييأسون ذلك اليوم من وجود المهدي؟! أضف إلى ذلك أن كلمة «اليوم» تكرَّرت في الآية ثلاث مرات ولا يتناسب أيٌّ واحدٍ منها مع موضوع المهدي بل هو ضده.
الآية الأربعون:
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة/3). هذه الآية نزلت في السنة التاسعة للهجرة حيث أُمِر أبو بكر وعليّ بإبلاغها أيام الحج. ولكن «العيَّاشي» يذكر رواية منسوبة كذباً وزوراً إلى الإمامين الباقر والصادق مفادها أن الآية تتعلق بيوم قيام المهدي!!
الآية الحادية والأربعون:
﴿وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ (التوبة/36). هنا أيضاً يروي «العياشيُّ» روايةً منسوبةً إلى الإمام الصادق (ع) يقول فيها: «قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ولَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا سَيَرَى مَنْ يُدْرِكُهُ مَا يَكُونُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ولَيَبْلُغَنَّ دَيْنُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم مَا بَلَغَ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ اللهُ!».
كأني بهؤلاء القوم لم يكن لهم أدنى علم بتاريخ صدر الإسلام ولا بأسباب نزول الآيات، هذا فضلاً عن أن القرآن يقرر - كما ذكرنا سابقاً – بقاء الشرك والإيمان والكفر والإسلام إلى يوم القيامة, فالقول بيوم يأتي فيه مهدي ويمحى به الشرك من على وجه الأرض قول كاذب.
الآيات من الثانية والأربعين حتى الثامنة والأربعين مكررةكلها وذكر المجلسيّ بشأنها روايات باطلة تم تفنيدها فيما سبق.
الآية التاسعة والأربعون:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ (المدثر/8و9). تتكلم هذه الآية باتفاق جميع المفسّرين عن يوم القيامة. لكن النعماني(النعماني هو الشيخ أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، من محدِّثي الشيعة الإمامية وعلمائهم في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، كان تلميذاً للمحدث الكليني وأخذ عنه أكثر علمه. خرج إلى الشام سنة 333ه- ليسمع الحديث من أهلها واستقر في حلب وتوفى فيها. وله من الكتب كتابه «الغيبة»
الذي ألفه في حلب وذكر أنه فرغ من تأليفه سنة 342ه- وقد طبع في إيران في 1318ه-، وله «الرد على الإسماعيلية» وكتاب «الفرائض»، كما له كتاب في التفسير يعرف باسم «تفسير النعماني». (نقلاً عن الذريعة إلى تصانيف الشيعة للطهراني).
يروي في كتابه «الغيبة» روايةً عن شخص مجهول باسم «مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ» عن شخص من الغلاة عن الإمام الصادق (ع): «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ؟ قَالَ: إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ!». ولم يوجد من يقول لهؤلاء الرواة إن سورة المدّثر من أوائل ما نَزَل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة التي كان أهلها مشركون ومنكرون للقيامة، فهل يُعْقَل أن ينزل الله آيات لإقناع مثل أولئك الناس بيوم قيامة المهدي؟
الآيات من الخمسين إلى الثالثة والخمسين كلها تكرار لآيات ذُكِرَت من قبل.
الآية الرابعة والخمسون: ﴿يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ (الرحمن/41). إذا لاحظنا سياق هذه الآية الكريمة وما جاء قبلها من قوله تعالى ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ (الرحمن/37) وما جاء بعدها من قوله سبحانه: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ ﴾ (الرحمن/43)، تبيَّن لنا أن الآيات كلها تتعلق بيوم القيامة وهذا أمر واضح يفهمه كل شخص.
ولكن النعماني يروي في كتابه «الغيبة» عن رواةٍ شاكِّين في الدين أو مجهولي الحال بالسند عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِهِ يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ قَالَ: «... لَكِنْ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيَخْبِطُهُمْ بِالسَّيْفِ هُوَ وأَصْحَابُهُ خَبْطاً!».
أليس هذا لعباً بآيات الكتاب؟
بماذا سيجيب هؤلاء الرواةُ اللهَ تعالى يوم القيامة؟
الآية الخامسة والخمسون:
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ (السجدة/21). هذه الآية تتحدث عن الكفار والفسّاق وذلك بقرينة الآية السابقة: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ (السجدة/20). ولكنّ الكراجكيّ (الكَرَاجِكيّ هو الشيخ الفقيه والمتكلم الإمامي أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، من تلامذة المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي، روى عنهم وعن آخرين من أعلام الشيعة والسنة.
كان نزيل الرملة، وأخذ عن بعض المشايخ في حلب والقاهرة ومكة وبغداد وغيرها من البلدان، وتوفي بصور عام 449ه-. وكتابه «كنز الفوائد» كما يقول السيد بحر العلوم في رجاله يدل على فضله، وبلوغه الغاية في التحقيق والتدقيق والاطلاع على المذاهب والأخبار. له مؤلفات كثيرة بلغت السبعين منها كنز الفوائد والاستنصار في النص على الأئمة الأطهار والبرهان على صحة طول عمر صاحب الزمان والبيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان... الخ (نقلاً عن كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي، باختصار وتصرف، ج 9/ ص400 – 401))
روى [في كتابه كنز الفوائد] عن مجهول باسم «جَعْفَرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَالِمٍ» عن مجهول آخر باسم «مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَجْلَانَ» عن سائل من الغلاة سأل الإمام الصادق عن هذه الآية فأجابه قائلاً: «ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ قَالَ الْأَدْنَى غَلَاءُ السِّعْرِ والْأَكْبَرُ المَهْدِيُّ بِالسَّيْفِ»!!
فأقول: أولاً: هذه الآيات نزلت في مكة حيث كان أهلها لا يؤمنون بالرسول ذاته فكيف يدعوهم الله للإيمان بسيف مهدي مفتَرَض؟! ثانياً: هل المهدي إمام عذاب أم إمام رحمة. ثالثاً: لقد بيّن تعالى في أكثر من موضع من كتابه معنى العذاب الأكبر كقوله تعالى:
﴿فَأَذَاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ (الزمر/26),
أو قوله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ (القلم/33)،
أو قوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ (الغاشية/23 و24)،
حيث تبيّن جميعها أن العذاب الأكبر هو عذاب الآخرة.
الآية السادسة والخمسون:
تكرار للآية الحادية عشر (الآية 62 من سورة النمل) التي بيّنّا فيما سبق أن لا علاقة لها بالمهدي إطلاقاً.
الآية السابعة والخمسون:
هي الآية السادسة عشرة ذاتها (الآية 8 من سورة الصف) التي سبق وأجبنا عن الاستدلال بها. علاوة على ذلك، ذكر المجلس-يّ هنا رواية عن أبي الجارود الملعون تقول: «لَوْ تَرَكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مَا تَرَكَهُ اللهُ» وليس في هذه الرواية أي كلام عن المهدي ولا ندري ما وجه ذكرها هنا!
في هذا الفصل لا يوجد أي كلام عن المهدي، لكن هناك كلام غير معقول وهو تفسير الآية: ﴿فَآَمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ (التغابن/
بأن المقصود من النور فيها «الْإِمَام»! مع أن «أنزلنا» فعل ماضٍ. وقد وصف الله تعالى هذا النور في مواضع عديدة من كتابه كقوله تعالى:
﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ﴾ (الشورى/52)
، وقوله كذلك: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ (البقرة/4).
الآية الثامنة والخمسون: هي الآية الثانية والعشرون(الآية 33 من سورة التوبة) ذاتها التي أجبنا عن الاستدلال بها سابقاً، بيد أن المجلسيّ أضاف هنا الرواية الخرافية التالية: «فَإِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ ولَا مُشْرِكٌ إِلَّا كَرِهَ خُرُوجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فِي بَطْنِ صَخْرَةٍ لَقَالَتِ الصَّخْرَةُ يَا مُؤْمِنُ فِي بَطْنِي كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَيُنَحِّيهِ اللهُ فَيَقْتُلُهُ»
. قلت: وهذا هو الدين الجبريّ [الذي يتعارض مع قوله تعالى «لا إكراه في الدين»]. فضلاً عن أن القضاء على كل يهودي أو نصراني أو مشرك يتناقض مع ما جاء في القرآن من آيات تشعر ببقائهم حتى يوم القيامة كقوله تعالى: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ (المائدة/14) و﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ (المائدة/64).
الآية التاسعة والخمسون:
هي الآية السابقة ذاتها (أي الآية 33 من سورة التوبة)، إضافة إلى أن المجلسي يذكر هنا رواية منسوبة إلى ابن عباس جاء فيها:
«في قَوْلِهِ تَعَالَى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى يَهُودِيٌّ ولَا نَصْرَانِيٌّ ولَا صَاحِبُ مِلَّةٍ إِلَّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يَأْمَنَ الشَّاةُ والذِّئْبُ والْبَقَرَةُ والْأَسَدُ والْإِنْسَانُ والْحَيَّةُ وحَتَّى لَا تَقْرِضَ فَأْرَةٌ جِرَاباً...الخ».
نسأل الله تعالى الهداية لأصحاب هذه الخرافات.
الآية الستون:
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطُومِ﴾ (القلم/15و16). ينقل المجلسيّ عن كتاب [كنز الفوائد] للكراجكيّ رواية منسوبة للإمام الصادق (ع) يقول فيها:
«فِي قَوْلِهِ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا
قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. يَعْنِي: تَكْذِيبَهُ بِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ (ع)
إِذْ يَقُولُ لَهُ لَسْنَا نَعْرِفُكَ ولَسْتَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ!
كَمَا قَالَ المُشْرِكُونَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ».
ينبغي أن نسأل الراوي أين وجدتَ موضوع «القائم» في تلك الآيات؟
ثم إن كلمة «آيات» جمع في حين أن «القائم» مفرد.
لكن ماذا نفعل إذا كانوا يلفِّقون كل ما خطر على بالهم.
الآية الحادية والستون:
﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾(المدثر/38-39). معنى الآية واضح، ولكنّ «فرات بن إبراهيم» الكوفي( (هو أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من رواة الحديث في فترة الغيبة الصغرى (النصف الثاني من القرن الثالث الهجري)
ومن معاصري الكليني. لم يصل من كتبه سوى التفسير المعروف باسمه، قال عنه المجلسي في البحار: «لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا ذم لكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق لمؤلفه وحسن الظن به».
روى الصدوق عنه بواسطة الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي وروى عنه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل. يرى البعض استناداً إلى كثير من النصوص في تفسيره وكثرة نقله عن أئمة الزيدية وروايته عن الإمام زيد حصر العصمة في الخمسة من آل الكساء،
أنه كان من الزيدية، ويرى هذا البعض أن هذا هو السر في عدم ذكر رجاليي الإمامية القدماء له بين رجالهم وعلمائهم. )
الذي كان شخصاً ضئيل العلم كتب تفسيراً وذكر هنا رواية عن الإمام الباقر (ع)
يقول فيها: «فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى :
«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ»:
قَالَ نَحْنُ وشِيعَتُنَا.
وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ شِيعَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
قالُوا «لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ»: يَعْنِي لَمْ يَكُونُوا مِنْ شِيعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
«ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ»: فَذَاكَ يَوْمُ الْقَائِمِ (ع) وهُوَ يَوْمُ الدِّينِ «وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ»: أَيَّامُ الْقَائِمِ »!!
ونحن نقطع بأن الإمام الباقر (ع) الذي كان عربياً يعرف مواقع الكلام لم يقل مثل هذا الكلام،
وأن معاصريه المتشيعين له كانوا أسوأ من المتشيعين لعلي (ع) ونسبوا إليه كل ما أمكنهم من أقاويل.
نسأل الله أن يوقظ مقلديهم.
أضف إلى ذلك أن الإمام الباقر (ع) لم يكن من عادته أن يفسر كل آية بأن المقصود منها نحن الأئمة، إنه كان متواضعاً ولم يكن معجباً بنفسه.
فدعك إذن مما ينسبه فرات الكوفي إلى الإمام الصادق (ع) هنا من قوله أن المقصود من قوله تعالى ﴿السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ (الواقعة/10و11) نحن الأئمة.
الآية الثانية والستون: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾(سورة ص/86 -88).
من الواضح أن هذه الآية المكية تخاطب مشركي مكة،
لكن المجلسي ينقل لنا هنا عن كتاب الكافي [للكليني] رواية ضعيفة تقول:
«قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
قَالَ: عِنْدَ خُرُوجِ الْقَائِمِ»! أفلم يفكر واضع هذه الرواية كيف سيبقى المشركون
أمثال أبي جهل وأبي سفيان وغيرهما أحياء إلى حين قيام القائم حتى يعلموا نبأه بعد حين؟!!
لكن يبدو أن الإنسان عندما يسقط في وادي الخرافات يفقد العقل والقدرة على التفكير. وقد روى الكليني ذلك الخبر الموضوع عن رجل ضعيف باسم «عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ» عن ضعيف آخر مثله ونسب كلامه لحضرة الإمام أبي جعفر الباقر (ع).
الآية الثالثة والستون:
هنا أيضاً يروي المجلسي نقلاً عن الكافي للكليني رواية في سندها «عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ البطائنيّ» الواقفي الذي لا يؤمن بأي إمام بعد الإمام السابع، بأن الراوي سأل الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) عن قوله تعالى
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَ-هُمْ أَنَّهُ الحَقُّ﴾ (فصلت/53)
فقال له: «يُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ..... (إلى قوله)... حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ قَالَ خُرُوجُ الْقَائِمِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَرَاهُ الْخَلْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ»!.
لاحظ أيها القارئ اللبيب كيف لعب أولئك الرواة بآيات القرآن باسم الإمام وبالتستر تحت لوائه،
فرغم أن الآية مكية إلا أن الرواة الجهلة جعلوا مفادها مخاطبة الله لأهل مكة (الذين لم يكونوا قد آمنوا بعد برسوله وكانوا يتهمونه بالجنون والكذب) بأنه سيريهم آياته ليعلموا أن خروج القائم حق!! فهل هناك أي تناسب في هذا الكلام؟؟ كلا والله.
الآية الرابعة والستون:
﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ (مريم/75). هذه الآيات مكيّة وهي إذا لاحظنا سياقها وما جاء قبلها،
أي قوله تعالى: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ (مريم/73)
موجَّهةٌ لمشركي مكة الذين كانوا يتبجّحون على المؤمنين بأنهم (أي الكفار) خير من المؤمنين مقاماً وأقوى وأكثر عدداً،
لذا أجابهم الله أنهم سيعلمون يوم القيامة من القوي ومن الضعيف. لكنّ المجلسيّ نقل عن كتاب الكافي رواية في سندها «علي بن أبي حمزة البطائني» الخبيث جاء فيها: «قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَهُوَ خُرُوجُ الْقَائِمِ وهُوَ السَّاعَةُ فَسَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللهِ عَلَى يَدَيْ قَائِمِهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِمِ وأَضْعَفُ جُنْداً».
أقول: مؤدَّى هذه الرواية أنّ كفّار قريش سيعيشون عمراً مديداً إلى وقت خروج القائم، عندئذ سيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً، وسيحيق بهم ما كانوا به يستهزئون!!
فهل يصُحّ مثل هذا التفسير؟!
هل يمكن لِ-لَّهِ أن يتكلم بمثل هذا الكلام الذي لا معنى له؟!
لقد افترى الوضّاعون كل ما عنّ على بالهم، فأبي حمزة هذا نسب إلى الإمام الباقر رواية يفسّر فيها قوله تعالى في سورة المعارج: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ (المعارج/26) أن المقصود هو التصديق بخروج القائم!!
الآية الخامسة والستون:
هي الآية الخامسة والثلاثون ذاتها (الآية 5 من سورة القصص) التي ناقشنا الاستدلال بها فيما سبق،
فليراجع القارئ التوضيحات التي ذكرناها في نهاية كل ايه وهنا ذكر المجلسيّ نقلاً عن بعض الكتب الخرافيّة مزيداً من الآيات المكرّرة،
أي أنه كرر الآيات الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين والرابعة والثلاثين والخامسة والثلاثين. ثم بعد ذلك بدأ بذكر أبواب النصوص وجمع فيها ما أمكنه من الروايات التي افتراها الوضّاعون والكذابون والمجهولون والغلاة والمليئة بالتعارض والتناقض والأمور التي لا تُعقَل والتي علامات الكذب فيها واضحة.
[color=window****]و
[color:c796=window****]قد يقول قائل: هل يمكننا أن نقول إن جميع هذه الأخبار الواردة في هذا الأمر – رغم كثرتها - موضوعة ومفتراة بأجمعها؟! فأقول في الجواب عن ذلك: حتى لو بلغ عدد أخبار مجهولي الحال الآلاف لما كانت تسوى فلساً واحداً، ثم أقول: «رُبّ شهرة لا أصل لها» وهذه قاعدةٌ متَّفقٌ عليها لدى جميع العلماء.
([1]) هو أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمِّيّ، من أكابر علماء الشيعة في القرن الثالث الهجري ومن رواة عصر الحضور، إذْ كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري (ع) ومن مشايخ الكليني صاحب الكافي، حيث اعتمد الكليني عليه كثيراً في كتابه الكافي.
وكان عليُّ بن إبراهيم من أوائل رواة الحديث في قم ومن رؤوس فقهاء الشيعة فيها حتى عدُّوه أستاذ مشايخ القمِّيين، وله كتاب في التفسير بالمأثور باسم «تفسير علي بن إبراهيم القمِّيّ» مليءٌ بالروايات المغالية والغريبة الباطلة، مما جعل البرقعي يضعِّف «علي بن إبراهيم» هذا لكثرة روايته الغرائب والغلوّ وما ينافي القرآن.
ويقول الشيخ عبد الوهاب فريد التنكابني في كتابه «اسلام ورجعت»: «ولا ينقضي العجب من «علي بن إبراهيم القميّ» -الذي كان طبقاً لقول علماء رجال الشيعة: عالماً جليل القدر -،
كيف يذكر في تفسيره مثل تلك التأويلات التي هي بكل وضوح من تأويلات الملاحدة والباطنية!
اللهم إلا أن نقول أن ذلك التفسير المنسوب إليه تفسيرٌ موضوعٌ مختلقٌ وليس من تأليف ذلك العالم
وإلا فكيف يمكن لمثل ذلك العالم أن يكون عديم الاطلاع على مباني القرآن الكريم إلى ذلك الحدّ فيلوثه بمثل تلك التأويلات الباطلة عديمة الأساس!!»اه-. (الإسلام والرجعة، ص171)