يجب عليك أن تبيع نفسك ومالك وعلمك وفكرك وقلمك من الله؛ لأن نص العقد يقول: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ)، وهذا عقد يجب تنفيذه، وأي إنسان إذا لم يبع نفسه من الله فإنما يبيع نفسه من الشيطان؛ فالله اشترى من المؤمن كل ما يملك بداية من روحه التي بين جنبيه إلى أصغر نعمة لله عنده، فسل نفسك: هل عملت بعقد المبايعة بينك وبين الله؟ هل بذلت نفسك ومالك ومواهبك ونِعَم الله عليك في سبيل الله؟ هل سخَّرت ذكاءك وفهمك ولسانك لنصرة لا إله إلا الله؟ إن ميزان المبايعة مع الله يظهر لك أولياء الرحمن من أولياء الشيطان؛ فكل من نصر الله بجهده، بكلماته، بخطبه، برسائله، بكتبه، بمقالاته، بمواقفه، بدرهمه، بديناره، بشفاعاته، برضاه وغضبه، بجاهه ووظيفته ومنصبه.. فهو عبد لله، صادق منيب مبايع لربّه بيعةً شرعيّة، وكل من رفض هذا البيع وألغى هذا العقد فهو عبد لإبليس، قد بايع الشيطان وأجَّر نفسه لعدو الله، وصار خادماً للطاغوت؛ فكل نتاجه وبالٌ عليه؛ لأن واهب النعم ومعطي المواهب هو الله وحده؛ فمن الآن عليك أن تدخل في هذه المبايعة الشرعيّة، وأن تعمل بصدق العقد الذي أتى به جبريل وقرأه محمد - صلى الله عليه وسلم - وحضره المؤمنون، والمشتري هو الله، والبائع كل مؤمن ومؤمنة، والسلعة هي الجنة، والثمن أرواح وأموال ومواهب المؤمنين والمؤمنات، ومجلس العقد جرى تحت الشجرة، وصورة المجلس رُفعت في ملف: (إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، فقام المؤمنون بعد المبايعة وقالوا: "ربح البيع، والله لا نقيل ولا نستقيل"، وانصرفوا من المجلس. وفي الحديث الصحيح: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرّقا وجب البيع".
أما المنافقون والمنافقات على مدى التاريخ الإسلامي فلم يحضروا العقد، ولم يرضوا بالبيع، وإنما لهم عقد آخر وبيع ثانٍ مع رأس الضلالة وعمود الجهالة وأُس العمالة والنذالة، شيخهم الشيطان الرجيم؛ فأموالهم ينفقونها حرباً على الإسلام، وأقلامهم يشهرونها طعناً في الدين، وألسنتهم حداد شداد على حَمَلة الرسالة وأنصار الملّة، وأفكارهم ملوثة متنجّسة في مستنقع الإثم والعدوان، وكتاباتهم ومقالاتهم همز ولمز وغمز في منهج الله وحَمَلته وروّاده. فليس هناك عقد ثالث ولا مبايعة ثالثة، إنما عقد ومبايعة مع الرحمن، أو عقد ومبايعة مع الشيطان؛ فحدِّد موقفك من الآن، وسل نفسك عن كل درهم تنفقه وكل كلمة تقولها وكل جملة تكتبها وكل موقف تقفه وكل عمل تعمله.. هل هو موافق للعقد الإيماني الرباني الذي وُقِّع يوم بيعة الرضوان، وكان ثوابه هذا الجود العظيم من الرب الرحيم: (لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً). حدِّد موقفك من بيعة الرضوان، سواء كنت عالماً أو أميراً أو وزيراً أو مديراً أو طبيباً أو مهندساً أو كاتباً أو تاجراً أو جندياً أو فلاحاً.. فإنك أحد رجلين، إما مبايع لله أو مبايع لإبليس، وعلى ميزان المبايعة انظر لكل من أمامك من مسؤول أو شيخ أو صحفي أو عامل، وقِسْهم بهذا المقياس، والسناء والرفعة والمجد والثواب العظيم والخلود في جنات النعيم لمن باع نفسه من الرحمن الرحيم، والعمر الخسيس والحظ البئيس والمنقلب التعيس لمن باع نفسه من إبليس. وفي كل يوم سوف ترى أمامك هؤلاء وهؤلاء، مبايعي الرحمن ومبايعي الشيطان؛ فكن من أنصار الله، وادخل في المبايعة، ووقِّع مع الموقِّعين في عقد رب العالمين، جعلنا الله وإياك من أنصار الدين